Subscribe Us

header ads

كيف كان العرب حين ارتاد الفضاء أول انسان منذ 50 سنة

في عام 1961 شارك المنتخب السعودي بكرة القدم، وكان عمره عامان من التأسيس، في الدورة الرياضية العربية الثالثة بالدار البيضاء
وخاض مباراتين ضد نظيريه المغربي والمصري وخرج مثقلا بكارثتين: مع الأول خسر 13 مقابل هدف واحد، ومع المصري 13 مقابل لا شيء.
  
غاغارين حاز عشرات الألقاب
لم تكن النتيجتان في ذلك العام أكثر ما أثار استغراب العرب، ولا حتى الأوساط الرياضية الأجنبية أيضا، لأن خاطف كل أضواء 1961 كان هدفا لم يسجل مثله ولا قبله أي انسان آخر في أي يوم بالتاريخ، وصاحبه لم يكن لاعب كرة قدم، انما ابن فلاح روسي عمره 27 سنة واسمه يوري غاغارين، الملقب بعشرات الألقاب، وأهمها كريستوفر كولومبوس الفضاء الكوني.
غاغارين كان طيارا شابا حملته كبسولة اسمها "فوستوك" الى مدار حول الأرض في 12 ابريل/نيسان ذلك العام كأول انسان ارتاد الفضاء، بل أول من رأى كوكبنا مستديرا بلون أزرق يغشاه ويهيمن عليه، وأول من رأى المنطقة العربية من خارج الأرض حين طواها ودار حولها دورة واحدة على ارتفاع 250 كيلومترا وبوقت لم يتجاوز 108 دقائق، وبعدها عاد كما كولومبوس بعد اكتشافه في 1492 القارة الأميركية: مغمورا بالأمجاد ومدشنا عصر اكتشاف الفضاء الذي قد لا ينتهي الا مع نهاية الكون نفسه.
 
في ذلك العام، وفي فصل الربيع بشكل خاص، كانت المنطقة العربية سوداء وبيضاء بأفلامها المصرية وأجهزتها التلفزيونية التي يقدرون بأن عددها لم يكن يزيد على 15 ألف جهاز في جميع الدول العربية، لذلك كانت هادئة ومستكينة وتنعم برومانسية، ولو مرفقة بهيجان قومي عربي "من المحيط الهادر الى الخليج الثائر" وفق ما كان يصرخ المذيع المصري، أحمد سعيد، من اذاعة "صوت العرب" من القاهرة كل يوم.
في ذلك اليوم غطى على صراخ أحمد سعيد صوت محركات نفاثة هدرت من صاروخ سوفياتي عملاق حمل غاغارين وهو وحيد داخل الكبسولة الى مدار خارج الكوكب الذي نعيش منه وعليه، وما أن وصل الى نقطة الجاذبية صفر حتى صرخ وهو داخل الكبسولة السالكة بسرعة 27 ألف و400 كيلومتر بالساعة وقال: "انها كروية.. انني أرى الأرض. انها زرقاء، وأنا على ما يرام".

بن لادن كان بعمر ماجدة الرومي

الكبسولة فوستوك بعد هبوطها على الأرض
في ذلك العام كانت جميع الدول العربية واعدة ذلك الزمان وتوتراتها قليلة وفيها بعض الديمقراطيات، ولم يكن فيها سلفيون ولا متشددون كما هي اليوم، وبن لادن نفسه كان طفلا يحبو في الرياض وبالكاد كان عمره 4 سنوات، وبعمره كانت طفلة لبنانية تعيش قرب بيروت واسمها ماجدة الرومي، وأكبر منها بعامين كانت في مصر طفلة تلعب مع أبناء الجيران واسمها سيفين نسيم، المعروفة الآن باسم الممثلة يسرا. أما عادل امام فكان عمره 21 سنة ويحلم بأن يصبح ولو كومبارس في فيلم خفيف.
في ذلك الوقت بالذات اختاروا غاغارين على عجل من بين 6 مرشحين حين علمت مخابرات الاتحاد السوفياتي أن الولايات المتحدة انتهت من كافة التحضيرات وقررت ارسال أول رائد الى الفضاء في 20 ابريل/نيسان 1961 فأسرعوا ووضعوه في كبسولة حملها من مطار بايكونور صاروخ وزنه 5 أطنان في الساعة 9 و7 دقائق بتوقيت موسكو، وبعد القيام بدورة واحدة حول الارض عادت الكبسولة الى الأرض قبل دقيقة واحدة مما كان مقررا سابقا.

وحدث أن خللا بجهاز الفرملة أدى الى هبوط "فوستوك" في مكان بعيد عما حددوه لها مبرجا، لذلك لم يكن أحد باستقبال الرائد الأول حين هبط قرب نهر الفولغا في جرود ريفية بقازاخستان التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي، فأسرعت اليه فلاحة ومعها ابنتها وهما مذعورتان من رؤيتهما رجلا داخل كرة معدنية ضخمة ببزة برتقالية وعلى رأسه قبعة بيضاء وهبطت به كبسولته 7 كيلومترات بالمظلة وهي حامية يتصاعد منها دخان، فخرج عبر كوّتها ونزع عنه قبعته وقال: "لا تخافا، أنا سوفياتي مثلكم وجئت من الفضاء.. هل عندكم تلفون"؟

ولم تصدقه الأم ولا ابنتها بالطبع، كما ما زالت قلة من أحياء اليوم لا تصدق وتشكك بحقيقة عليها ألف دليل ودليل بأن الانسان ارتاد الفضاء وهبط على القمر ووصلت مركباته الى جميع كواكب المجموعة الشمسية أو مدارات قربها، بل خطط لارسال رواد للمريخ بعد 20 سنة على الأكثر. أما الذين صدقوا فزعم بعضهم أن الرائد الأول قال: "لم أر الله وأنا في الفضاء" فاذا بالتسجيل الكامل لرحلته يؤكد قوله وهو وحيد داخل الكبسولة: "كل ما أراه رائع وجميل..لا بد أن يكون هناك خالق لهذا كله" هكذا قال حرفيا، وحاسبوه عليها حين عاد الى عاصمة الالحاد في موسكو، بحسب ما يكتبون.

رؤساء 3 دول عربية لم يكونوا ولدوا بعد

 
جنازته في 1968 بعد أسبوع من مقتله
في ذلك العام الذي سبر فيه غاغارين الفضاء كان أكثر من ثلثي العرب الحاليين غير موجودين بالمرة ولم يبصروا النور بعد، ومنهم الرئيس السوري بشار الأسد الذي ولد في 1963 وكذلك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي أبصر النور قبله بعام، كالعاهل المغربي الملك محمد السادس تماما، فيما كان الرئيس اللبناني ميشال سليمان طالبا بالمدرسة عمره 13 سنة، والسوداني عمر حسن البشير مراهقا في المدرسة أيضا ويكبره بأربعة أعوام.

لكن أحدهم وهو معمر القذافي، الممعن في قتل شعبه الآن تمسكا بالسلطة، كان طالبا يافعا عمره 19 سنة ويعيش مع والدته في مدينة سبها، أي بعمر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي كان في 1961 جنديا مغمورا بالجيش اليمني. وفي العراق كان يعيش شاب حالم اسمه صدام حسين وعمره 24 عاما ويعمل معلما بمدرسة ويهيء نفسه للسفر بعد عام ليدرس الحقوق بالقاهرة.

وكانت الكويت التي نالت في 19 يونيو/حزيران ذلك العام استقلالها عن بريطانيا، تحذر من جارها في العراق، وهو الرئيس آنذاك عبد الكريم قاسم، فقد انتزع لقمة الاستقلال اللذيذة من أفواه شعبها ونغص عليه عيشه حين طالب بعد 6 أيام من استقلالها بضمها للعراق، وسريعا باضت دجاجة الأزمات مشكلة عربية معقدة انتهت باعدامه بعد عامين اثر انقلاب عسكري ناجح عليه. كما أن الامارات السبع لم تكن ذلك العام تحالفت بدولة واحدة، ولا نالت استقلالها عن بريطانيا.

الجزائر كانت في نهاية ثورتها على الاستعمار الفرنسي، ومن بعدها بعام انتزعت الاستقلال معمدا بمليون قتيل، ونانسي عجرم لم تكن أبصرت النور بعد، ومثلها المطربة اليسا، ولم يكن يطرب العرب في ذلك العام سوى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفيروز، ولم يكن يسليهم الا أفلام كوميديا اسماعيل ياسين، أو صخب الحفلات بمصايف لبنان وملاهي بيروت.
 
 
مصر كانت البلد العربي الوحيد الذي زاره
لم تكن هناك دولة في مصر ولا مثلها في سورية، بل واحدة ضمت القطرين اسمها الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر، الى أن حدث الانفصال بنهاية ذلك العام بعد وحدة فاشلة على كل صعيد استمرت 3 سنوات، ومن بعدها بعام تدخلت مصر في حرب أهلية عصفت باليمن، وسورية ابتليت في سلسلة انقلابات العسكرية، بواقع واحد كل عام أو أقل تقريبا، الى أن جاءها حافظ الأسد.
وأكثر دول المنطقة استقرارا في ربيع "عام غاغارين" كما يلقبون ذلك العام، كان لبنان الذي اكتوى بحرب أهلية في 1958 وهدأت أحواله من بعدها الى درجة سموه معها سويسرا الشرق وبلد الاشعاع والنور، الا من انقلاب فاشل أعده في آخر يوم من 1961 الحزب السوري القومي الاجتماعي.

السعودية كانت أيضا في أحسن أحوالها من الهدؤ والاستقرار بعهد عاهلها الملك سعود بن عبد العزيز، الا من اعتلال عنيف كان في صحته اجمالا. والأردن بعهد عاهله الراحل، الملك الحسين بن طلال، كان مستقرا أيضا كتونس وعلى رأسها الحبيب بورقيبة، أو كالمغرب الذي توفي عاهله الملك محمد الخامس قبل أسبوعين من رحلة غاغارين الى الفضاء.

والسودان أيضا كان شبه مستقر، مع أن رئيسه ذلك العام، وهو الفريق ابراهيم عبود، كان دكتاتورا تقمص شخصية الفرد المطلق الصلاحيات بعد أول انقلاب عسكري قاده في 1958 هناك، فأوقف العمل بالدستور وألغى البرلمان وقضى على النشاط السياسي للأحزاب، وانتهت به الحال في 1964 ليصبح ثاني رئيس عربي تسقطه المظاهرات والاحتجاجات بعد أول رئيس للبنان بعد الاستقلال، وهو بشارة الخوري الذي استقال في 1952 بضغط من مظاهرات واحتجاجات الشارع، ومثله استجاب الفريق عبود لضغط الجماهير وسلم السلطة لحكومة انتقالية.

الخطوط السعودية تفرح بشرائها طائرتي بوينغ

 
 
الخطوط السعودية تشتري في 1961 طائرتي بوينغ
ولم يكن العالم العربي في العام الذي صعد فيه غاغارين الى الفضاء يعرف عن التكنولوجيا والتقدم العلمي الا ما تعرفه الأطفال اليوم، الى درجة أن الفرحة دبت بالقيّمين على الخطوط الجوية السعودية حين وقعوا اتفاقا نشروا بعده اعلانا كبيرا في 6 ديسمبر/كانون الأول 1961 بجريدة "البلاد" وهي الأقدم بالمملكة وما زالت تصدر الى اليوم، وفيه زفوا خبر الاتفاق، وكان مثيرا ذلك الوقت، وهو شراء الشركة لطائرتي "بوينغ 720 ب" كأول "بوينغ" تعرفهما دول الشرق الأوسط.

وعودة الى غاغارين، الذي أبصر النور في 1934 بقرية صغيرة أطلقوا عليها اسمه فيما بعد، فان توقفه عن العمل كطيار بعد العودة من الفضاء اضطره للتدرب ثانية، واحدى طلعاته التدريبية الروتينية كانت في 27 مارس/آذار 1968 مع زميل له طيار، وحدث خلالها عطل بالطائرة مجهول الأسباب للآن، فهوت "الميغ -15" وتحطمت وقضى غاغارين قتيلا مع زميله، وبعد أسبوع نظموا له جنازة لم يشهدها مثلها العالم الا بعد عامين بوفاة جمال عبد الناصر.

مضى غاغارين عن الارض التي كان اول من خرج منها الى الفضاء وترك ابنتين: غالينا وييلينا (51 و52 سنة الآن) وهما من زوجته التي اقترن بها في 1957 الممرضة فالنتينا غورياشيفا، وترك يوم 12 ابريل/نيسان مناسبة سنوية سمتها الأمم المتحدة "اليوم العالمي لارتيار الفضاء" كما ترك لسواه كونا فسيحا ليسبرون أغواره من بعده، وترك منطقة عربية كان أول من رآها من الفضاء حين كانت هادئة ومستكينة منذ 50 عاما، فاذا بها الآن مضطربة تنام وتصحو على القصف والقذائف وصرخات الباحثين عن الحرية واسقاط الأنظمة.

إرسال تعليق

0 تعليقات